loading

الاستقرار العائلي واتجاهات المستقبل

17 مارس 2021

في العصر القديم وقبل ظهور الثورة الصناعية كانت العوائل تعيش في حالة مستقرة ومتوازنة وهذا الاستقرار مرتكز على عناصر ثلاث وهي الحالة الاقتصادية والاجتماعية والأخلاقية، حيث كانت المهن السائدة هي الزراعة والصيد والرعي وما شابه ذلك وكان الأبناء عادة يمتهنون مهن آباءهم، وبالتالي فالعائلة قديماً هي وحدة اقتصادية منتجة، وهي المساهم الأكبر في الانتعاش الاقتصادي للمجتمعات. ومن ناحية أخرى فإن العادات والتقاليد والقيم تتشابه إلى حد كبير في الأسرة الواحدة والزواج يكون غالباً بين الأقارب، و قلما يكون هنالك عوامل خارجية مؤثرة على العائلة بسبب قلة الوسائل المتاحة للتواصل واقتصار السفر على أغراض الأعمال والتجارة غالباً وبالتالي قلة التعارف بين الناس، ويمكن القول بأن العلاقات الأسرية في الماضي كانت قوية ومتماسكة وكان الفرد يحصل على احتياجاته النفسية والمادية من عائلته، إذ تقوم العائلة بتنشئة الأطفال وتلقينهم الأخلاق والقيم والمعتقدات وترسم لهم الأهداف التي من خلالها يمكنهم التفاعل مع المجتمع، وتتشابه الظروف الاقتصادية والاجتماعية لأفراد الأسرة الواحدة، وهذا التماسك في الزمن القديم كان له أثر في تمكين الأسر من القيام بدورها في المجتمع بصورة فعالة ومستدامة. 

ومع تطور الصناعات والتكنولوجيا بدأت العائلة تدريجياً بالانتقال إلى مرحلة عدم الاستقرار واكتسبت مزايا مختلفة عما كانت عليه سابقاً إذ بدأ يزداد التفاوت في الحالة الاقتصادية لأفراد الأسرة الواحدة بسبب لجوئهم إلى ممارسة مهن مختلفة، وتفاوت فرص التعليم التي تتوفر لديهم، ومع التحول الرقمي أصبحت التكنولوجيا هي المصدر الرئيسي لاكتساب الثقافات والقيم والمعتقدات وينعكس كيفية وكمية استخدامها على ثقافة الفرد ومعتقداته مما يجعله يختار طريقه بنفسه وتحت تأثير أكبر من التكنولوجيا وأقل من العائلة، وأصبحت الديموقراطية مفهوماً سائداً بين الناس يجعل لهم الحرية في اختيار الطريق الذي يسلكونه في الحياة. 

إن جميع هذه العوامل تؤثر على قوة العلاقات والترابط بين العوائل، وتصبح الزيارات رسمية وفي المناسبات فقط مما يجعل الأسرة غير مترابطة وغير متماسكة بالشكل الذي كانت عليه في العصر القديم، ويؤثر عدم استقرار العائلة أيضاً على الأدوار التي تؤديها في المجتمع فأصبحت العائلة وحدة مستهلكة بشكل متزايد بعد ان كانت منتجة، واقتصرت العائلة الآن على القيام بالأدوار الرئيسية مثل إنجاب الأطفال، وتوفير المسكن والماديات، أما الوظائف الثانوية كالمساهمة في بناء اقتصاد المجتمع، والترفيه والصحة والتعليم فقد أصبحت تدار من قبل مؤسسات متخصصة تكون الدولة مسؤولة عن إدارتها وتشغيلها، وأصبح للخدم أيضاً دور لا يمكن تهميشه في تنشئة الأطفال، حتى المهام المدرسية التي يتعين على الأبناء إنجازها تزايد إيكالها إلى جهات مختصة بسبب انشغال الوالدين وغيابهم، وأصبحت أغلب الأوقات التي يقضيها افراد العائلة مع بعضهم محدودة و لأغراض معينة كالترفيه في أوقات الإجازات والمناسبات وبشكل مجمل فإن تواجد العوائل مع بعضها أصبح يأخذ الطابع الاستهلاكي، وربما يكون ذلك سبباً في عزوف الكثيرين عن الاجتماعات العائلية لما تحمله من أعباء اقتصادية وهذا يساهم أكثر في انتقال العوائل من الحالة المستقرة إلى حالة عدم الاستقرار. 

ونشير ختاماً إلى أهمية التخطيط والتنظيم وإدارة الوقت لتحقيق التوازن بين جوانب الحياة، ونشر الوعي بين الصغار والكبار حول التحديات التي تواجه العوائل بهدف الحد من التأثير السلبي لممارسات العصر الحديث على ترابط العوائل.

كافة المقالات