loading

البناء الهيكلي الأكثر أهمية

17 مارس 2021

يعيش الإنسان في مختلف مراحله العمرية ضمن سلسلة من النُظم الهيكلية المختلفة في طبيعتها وأهدافها وأدوارها، ففي السنوات الأولى من العمر يترعرع الطفل عادةً في ظل والديه وأخوته ويسمى هذا الكيان الصغير بالأسرة النووية وهي المكونة من الأب والأم وأبنائهما، ويمارس الأبوين معاً دور رعاية وتنشئة الأبناء وتلبية احتياجاتهم المادية والمعنوية ويكون الطفل في هذه المرحلة مُحاطاً بأفراد أسرته المعدودين، كما يتلقى التوجيهات والإرشادات والأسس التربوية منهم، وغالباً ما تكون شبكة علاقات الطفل صغيرة وغير متشعبة في بداية عمره. 

إلا أن حجم وهيكل الأسرة التي يعيش الطفل فيها قد يكون مختلفاً في بعض الأحيان بسبب الظروف الاقتصادية والاجتماعية للأسرة فهناك الأسر ذات ولي الأمر الواحد والتي تتكون بسبب حالات الطلاق أو وفاة أحد الوالدين، وهناك الأسر الممتدة التي تتكون من الوالدين والأطفال إضافة إلى الأجداد أو الأعمام أو الأخوال، وهنالك الأسر البديلة والتي تتشكل بعد حدوث حالات الطلاق أو الوفاة وتكوين أسر جديدة بعد زواج أحد الأبوين للمرة الثانية، وينشأ عن طبيعة هيكل الأسرة التي يعيش ضمنها الطفل العديدَ من التحديات والمشاكل مثل اختلاف أساليب التربية بين المربين، وانعدام الخصوصية والاستقلالية في حال العيش ضمن عدد كبير من الأفراد، والقصور عن تلبية الاحتياجات المادية والعاطفية، وعدم إشباع حاجات الأمومة أو الأبوة في حال عيش الطفل مع أحد أبويه، وغيرها من الآثار، وفي مثل هذه الحالات لا بد من الرجوع إلى المختصين لمساعدة الأبناء على التكيف والتأقلم مع الأسرة التي يعيشون فيها ومواجهة التحديات التي قد تشكل عائقاً أمام تقدمهم ونجاحهم.

وحين يكبر الطفل ويلتحق بالمدرسة تتوسع دائرة علاقاته تدريجياً إذ ينشأ بين عدد كبير من الزملاء والطاقم التعليمي والإداري، ويتفاعل معهم بشكل يومي وبمختلف الأساليبة والوسائل من أجل تحقيق أهداف العملية التعليمية والتربوية وهذا يعني ازدياد عدد الأشخاص المؤثرين في حياة الطفل وتكوين شخصيته، وتعليمه، وتربيته. ولذا تقوم المدارس بتبصير الطلاب وأولياء أمورهم بالإطار الذي يعيش الطفل فيه في المدرسة لتيسير الوصول للمسؤولين وفقاً لمهامهم التي أوكلت إليهم بناء على معرفتهم وخبراتهم، فكلٌ على دراية بما له من حقوق وما عليه من واجبات. 

أما في الجامعات والكليات والمعاهد فإن المنظمة أكبر حجماً بكثير، ويستلزم الانضمامُ إليها بذلَ جهدٍ مضاعفٍ لمجابهة المصاعب المحتملة لذلك تحرص منشآت التعليم العالي على إعداد وتدشين برامج تهيئة مكثفة لطلابها المستجدين لتسهيل اندماجهم في الوسط الجامعي وتهيئتهم نفسياً وفكرياً للدراسة والحياة الجامعية، وتتضمن برامج التهيئة عادةً تعريف الطلاب بمختلف الإدارات التي يتفاعلون أو يُحتمل تفاعلهم معها أثناء مسيرتهم الجامعية، وذلك لضمان لجوئهم إلى الشخص المناسب في الموضع المناسب، وعدم تأثر دراستهم بشكل سلبي بسبب سوء فهمهم لأنظمة الجامعة وإداراتها والدور المناط لكل إدارة.                          

كذلك الموظف الجديد يتم تعريفه في بداية حياته المهنية بالهيكل التنظيمي للمؤسسة التي يعمل بها ليتمكن كل فرد من أفراد المنظمة من ممارسة دوره الوظيفي، وفهم ومعرفة مسؤولياته وواجباته تجاه المنظمة وأنشطتها المختلفة، وتحقيق التعاون والتكامل بين الأقسام في ظل توازن العديد من العوامل والمتغيرات.

ولا شك أن كل مرحلة انتقالية جديدة يمر بها الإنسان تحمل معها المزيد من الفرص والتحديات، وكلما اندمج المرء في البيئة التي يعيش فيها وتفهمها جيداً كلما كان أكثر نجاحاً واستقراراً، وكانت أهدافه  أقرب تحققاً، ونتائج علمه وعمله أبعد أثراً، ولذلك يحرص صانعو القرار على وضع الهياكل التنظمية بشكل دقيق ومنظوم من أجل تحقيق أكبر قدر ممكن من الانسجام والاستقرار لجميع المستفيدين والعاملين. 

وبما أن العائلة هي البيئة الأولى والأكثر فاعلية في تهيئة الفرد للتفاعل والإنتاج في المجتمع، فإن فهم هيكلة الأسرة ودور كل فرد فيها لا يقل أهمية عن فهم جميع الهياكل التي يرتبط بها الفرد في مسيرته العلمية والعملية أو في حياته الاجتماعية بَيْدَ أن هيكل الأسرة لا يتم إنشاؤه و رسمه وترشيح الأفراد المكونين له بتدخل خارجي، وإنما هو وجود طبيعي وفطري ومستمر مع استمرار النوع الإنساني، ولكن لا يُلتَفَت إليه غالباً، ويمكن تمثيل هيكل الأسرة عن طريق رسم شجرة العائلة وهي عبارة عن بناء هيكلي يوضح العلاقات النَّسَبية بين أفراد الأسرة ضمن شكل هرمي يوضح ترتيب وتحديد النسب لكل فرد من أفراد الأسرة، ويمكن إنشاؤها عن طريق التَّعَقُّب لأصول الأسرة، وأجيالها السالفة. وتتمثل أهمية إنشاء شجرة العائلة وحفظها ومشاركتها في تعزيز قيمة الانتماء للأسرة، وتقوية أواصر الترابط بين أفرادها، ومساعدة الأجيال اللاحقة على تتبع الأجيال المعاصرة، ولا يُنَالُ كل ذلك من خلال إنشاء شجرة العائلة فقط، بل يجب تفعيلها والاستفادة منها لإقامة علاقات بنَّاءة ضمن نطاق الأسرة قوامها المحبة والمودة والرحمة والتآزر، ويمكن الاستفادة من التقنيات الحديثة في إنشاء شجرة عائلة ممتدة وإضافة خصائص أخرى إلى جانب تحديد الأفراد ومواقعهم في الشجرة مثل وسائل التواصل معهم، وأعمارهم ومقرات سكنهم وغيرها الكثير. 

إن العناية بفهم هيكل الأسرة والعوامل والمتغيرات الداخلية والخارجية المؤثرة عليه من شأنه أن يساهم في ترابط وكينونة الأسرة، فالإنسانُ جزءٌ من أسرته قبل أن يكون جزءاً من أي كيان آخر، وكلما ازداد ارتباطه بها وتفاعله معها كلما انعكس ذلك على نجاحه و تأثيره في المجتمع، ومن الأَولى تسخير الجهود الفردية والاجتماعية

لإنشاء أشجار العوائل وتحديثها ومشاركتها بشكل مستدام لتحقيق النفع والفائدة للأفراد والمجتمعات.

كافة المقالات