loading

علم الأنساب وتطبيقاته بين الماضي والحاضر

17 مارس 2021

كان للعرب في قديم الزمان اهتماماً بالغاً في علم الأنساب، حيث كانوا يحرصون على حفظ الأنساب وتعليمها من جيل إلى جيل، وبرز بعض العلماء المختصين في هذا العلم، وكانوا ينتهجون طرق عديدة من ضمنها سرد الأنساب في مصنفات ومؤلفات ومخطوطات، وكذلك عن طريق الحفظ والمشافهة، ومن المعلوم أن إحدى الصفات المشهورة عند العرب قديماً هي العنصرية والتعصب القبلي، وربما كان للاهتمام بالأنساب دوراً في ترسيخ هذه الصفات ومع ذلك فإن الفائدة المحصلة من معرفة الأنساب لا يمكن نكرانها فقد كانت وسيلة أساسية للتواصل والتعارف بين الناس قديماً.

وامتد الاهتمام بعلم الأنساب حتى عصرنا الحاضر لأسباب عديدة من ضمنها أسباب غريزية حيث يميل الإنسان بفطرته إلى معرفة أصوله وأجداده، ومنها أسباب حضارية والتي تنشأ مع ازدياد تقدم الشعوب والحضارات وازدهار العلوم والمعارف وما يتطلبه ذلك من دراسة أحوال السكان وتاريخهم، وعلاقة الأسر والجماعات ببعضها، كما تطور هذا العلم وتفرع منه علم الأنساب الجيني الذي يتضمن عمل فحوصات الحمض النووي إلى جانب الطرق التقليدية لمعرفة النسب بهدف تحديد مستوى ونوع العلاقات بين الأفراد، وتوسعت الفحوصات في هذا المجال بشكل كبير لا سيما مع تنوع الأغراض المرادة منها كتحديد نسب الأم بواسطة فحوصات الحمض النووي في جزء من الميتوكوندريا حيث أن هذا التركيب الخلوي يكون موروثاً من الأم، وبالتالي فإن تشابه شخصين في تركيب الحمض النووي للميتوكوندريا يدل على اشتراكهما في سلف سلالة الأم، وكذلك الفحوصات التي تستهدف تحديد نسب الأب وتتم بواسطة فحوصات كروموسومات Y التي توجد في الذكور فقط وبالتالي فهي توضح معلومات عن سلالة الأب فحسب، وكما هو الحال في الميتوكوندريا فإن تشابه شخصين في فحوصات كروموسومات Y يدل على اشتراكهما في سلف سلالة الأب. إضافة إلى تحديد نسب الأم والأب تستهدف فحوصات أخرى توقع الأصول البيوجغرافية والأعراق والسلالات وعلى الرغم من انتشار هذا النوع الأخير من الفحوصات وترويجه والإعلان له بشكل كبير إلا أن علماء الأنساب الجينية أكدوا على أن النتائج قد لا تكون دقيقة جداً و إنما تقريبية.

وفي ظل التحول الرقمي في العقود الأخيرة أصبحت رحلة البحث عن النسب يسيرة وفي متناول الجميع ولم يعد الاهتمام بالأنساب مقصوراً على الباحثين والمختصين فقط، بل أصبح للأفراد العاديين فضولاً لا ينتهي لمعرفة أجدادهم وأسلافهم وماضيهم، خاصة في المجتمعات التي يكثر فيها التبني والجهل بالنسب بسبب الزيجات غير المشروعة، مما يجعل للتاريخ النسبي انتعاشاً كبيراً في تلك المجتمعات. 

أما في مجتمعاتنا الإسلامية فإن ديننا الحنيف يشجع على الاهتمام بالأنساب تعزيزاً لصلة الأرحام، والتكاتف والترابط بين الأقارب، ومن ضمن الأدوات التي تساعد على تحديد الأنساب هي شجرة العائلة وهي رسم بياني يحدد علاقات الدم والمصاهرة بين أفراد الأسرة الواحدة، وقد أصبحت بيانات شجرة العائلة -كما هو شأن الكثير من البيانات-تُمَثَّل بشكل رقمي وعلى مستويات عالية يمكن تتبعها بواسطة الانترنت. حيث ساهمت التكنواوجيا الحديثة في تسهيل عملية رسم شجرة العائلة عن طريق العديد من التطبيقات والمواقع المنتشرة، وإضافة الكثير من الخصائص والمميزات التي تضيف قيمة تشجع على تطبيقها وانتشارها ورواجها بين المستخدمين، مثل إضافة الأفراد المولودين الجدد، ومشاركة أخبار العائلة ومناسباتها كالزواج والولادة والتخرج والحصول على وظيفة، وإضافة وسائل التواصل والصور، ومقر السكن، وتفعيل التنبيهات التي تمكن أفراد الأسرة من متابعة أخبارهم بشكل سريع وميسر ويساهم كل ذلك بشكل عام في تعزيز روابط القربى بين الأسر.

وفي الواقع فإن تتبع الأنساب وإن كان يساعد على تتبع تاريخنا والبيئة التي احتضنتنا إلا أن الأمر الأهم هو توثيق العلاقات مع الأفراد الأحياء من الأسرة، ومبرة الأموات منهم بالصدقات والدعاء، وعدم التفاخر بالأنساب فهذا جل ما أوصى به الباري جل وعلا في كتابه الكريم حين قال: {يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم}.

كافة المقالات