تتميز مرحلة الشيخوخة بخصائص عديدة في النمو النفسي والجسمي، فمن الناحية الجسدية تبدأ الحواس بالضعف عادة، والصحة -بشكل عام- بالتدهور، وبما أن الحواس هي منافذ الاتصال بالعالم الخارجي، فإن قدرة المسن على التفاعل مع ما حوله تضعف بدورها، ويتعاظم هذا الأمر في ظل التحول الرقمي المعاصر إذ أن غالبية التواصل بين الأفراد يتم الآن بواسطة الانترنت، ويتطلب وجود مستوى جيد من الصحة العقلية والجسدية وحواس قادرة على أداء نشاطها ووظائفها ليتمكن الفرد من الاتصال والتواصل مع العالم. أما من الناحية النفسية فيكون المسن عادة مفرط الحساسية، سريع الانفعال والتأثر، ويقل إقباله على الدنيا عموماً بينما يزداد تعلقه بالآخرة، ويكثر انشغاله بالعبادات والأعمال الصالحة.
يصل الإنسان في سنوات عمره الأخيرة إلى مرحلة متقدمة من النضج العقلي، والاكتفاء المعرفي، والحكمة والدراسة العميقتين، وذلك يساعده على فهم وإدراك الكثير من الأمور والحقائق بحكم عمق التجربة وطول الخبرة، ويميل المسنون عادة إلى مشاركة خلاصة تجاربهم في الحياة مع أبنائهم وأحفادهم لأخذ العظة والعبرة والدروس، ولرغبة المسنين في أن يحيا أبناؤهم حياة أفضل، و يحققوا إنجازات أكبر، وأن يتجنبوا الأخطاء التي وقع فيها أسلافهم، وجميع هذه الأمور تزيد من رغبة المسن في أن يقضي أطول وقت ممكن مع أبناءه لا سيما أن فرص خروجه من المنزل ولقاءاته الاجتماعية تكاد تكون محدودة للأسباب المرتبطة بالتغيرات النفسية والجسمية التي ذكرناها سالفاً.
علاوة على ذلك يعيش المسن حالات نفسية متذبذبة تتراوح بين شعوره بالإنجاز والفخر حين يلتفت إلى الماضي ويستعيد الذكريات الجميلة وذلك يبعث في نفسه الرضا والطمأنينة حيث يشعر بأنه حقق أموراً جلية في حياته وأنه تخطى الكثير من المصاعب والمتاعب وكافح في حياته حتى نال مبتغاه، وبين الإحساس بالفشل وإلقاء اللوم على نفسه حين يرجع للماضي المرير ويستذكر الأيام التي مر فيها بظروف صعبة حالت بينه وبين تحقيق مطالبه، أو حين يكون ضحية لكيد الآخرين أو للفقر أو الجهل أو ماشابه ذلك من الأزمات والصعاب، وإن الانغماس في التفكير في الأيام السابقة والالتفات المتزايد إلى الماضي من شأنه أن يزيد من تدهور الحالة النفسية والجسدية لكبار السن لا سيما إن طالت فترة جلوسهم لوحدهم وتفرق عنهم الأهل والأصحاب، وبغض النظر عن مقدار النجاح أو الفشل الذي حققه الإنسان في شبابه، فإن التجارب التي مرَّ بها بحلوها ومرها تترك أثراً بالغاُ في نفسه يتجلى بوضوح في أواخر أيام العمر.
وبما أن الأسرة هي النطاق المحدود الذي يجد فيه المسن الراحة والطمأنينة والأنس، ويستشعر فيه ثمرة كفاحه طيلة سني عمره فينبغي على الأبناء والأحفاد أن يولوا اهتماماً بالغاً لمسنيهم وأن يخصصوا جزءاً من يومهم للحديث معهم والإنصات لحكاياهم، وألا يدخروا جهداً في سبيل إدخال السرور على قلوبهم بكافة السبل الممكنة، فمن البر أن يبادر الابن بقضاء حاجة والديه قبل أن ينطقا بها أو يطلباها منه. وكم سيكون السرور كبيراً في نفس الجد حين يرى أبناءه وأحفاده حوله يحرصون على زيارته وتفقد أحواله ومساعدته للتعبير عن مشاعره والتحدث عما يريد، وتشجيعه على القيام بأعمال بسيطة إن كان يجد فيها البهجة فبعض المسنين يسعدهم شعور استمرار القدرة على الإنتاج، وفي هذه الحالة يمكن للأبناء أن يساعدوا آباءهم وأجدادهم في توزيع حياتهم بين العلم والعمل والقراءة والأنشطة المنزلية أو الاجتماعية أو البدنية بحسب أحوالهم الصحية وتوجهاتهم وميولهم الشخصية، أما فيما يتعلق باستخدام المسنين للتكنولوجيا فقد يتفاوت موقف المسنين من العالم الرقمي بين الإقبال والإدبار والمهم هو أن يتفهم الأبناء الموقف أياً كان فلا ينشغلون بهواتفهم في حضرة آبائهم إن كان ذلك يثير سخطهم، ومن الممكن أن يبادر الأبناء بمساعدة آبائهم على التواصل مع الأقارب و الأصحاب باستخدام التقنية الحديثة إن كانوا يحبذون ذلك.
وختاماً فإن الأسلوب الذي يتعامل به الأبناء مع كبار السن في العائلة له عظيم الأثر في إسعاد هؤلاء الكبار أو شقائهم، ومن سعادة المرء أن تتاح له فرصة البر بوالده أو جده عمراً مديداً، وكلما أحسن استثمار هذه الفرصة كلما اقترب أكثر من مرضاة الله عز وجل.