تعيش دول العالم أجمع تقلبات اقتصادية بين الحين والآخر، وقد تشكل هذه التقلبات فرصاً ثمينة للبعض، بينما تعتبر تحدياً لآخرين، ومما لا شك فيه أنه ينبغي على جميع الأفراد والمجتمعات الاستعداد لمثل هذه الظروف والأزمات عن طريق التَّعلُّم والتدريب المستمران للتَّكيُّف والتأقلم مع التغيير في المستقبل، والمساهمة في دفع عجلة النمو الاقتصادي، ولا تقع مسؤولية ذلك على الدولة فحسب، بل تشمل أيضاً قادة اللَّبِنات الأولى المكونة للمجتمع وهي الأسر، ومن هذا المنطلق تتزايد أهمية الحاجة إلى إعادة الحسابات واتخاذ المواقف التي تُمكن أرباب الأسر من إدارة نفقات الأسرة بشكل فعال ومستدام.
قال رسول الله ﷺ: (كلكم راع، وكلكم مسؤول عن رعيته)، لقد حَمَّلَ النبيُ ﷺ أربابَ الأسر مسؤوليةَ رعايةِ الرعية، ومن ضمن المسؤوليات الملقاة على عاتقهم مسؤولية الإنفاق وواجب الكَد والكسب لتأمين وتغطية متطلبات المعيشة، وعلى كل مسلم معرفة وظيفته الشرعية التي هي مبدأ السلوك العملي لواقع الحياة بجميع اتجاهاتها.
إن أربابَ الأسر -من خلال رصدهم للواقع الذي يعيشونه- يجدون أنفسهم في حاجة ماسة لتَحرِّي عوامل التخطيط والتنظيم والتنمية المستدامة في مجال الاقتصاد، ومنطلقات التغيير عبر تعاليم الإسلام ومبادئه وتراثه التربوي والأخلاقي والاجتماعي. وفي ذلك استشعاراً وتصوراً للدور الملقى على عاتقهم والإحساس به كوظيفة دينية، ثم ممارسة هذا الدور على أرض الواقع بقدر يتناسب مع حجم المسؤولية.
وقد أولَتْ مملكتنا الحبيبة اهتماماً بالغاً لمساعدة المواطنين على أداء واجبهم تجاه من يعولون عن طريق توفير سبل الدعم المالي والعيني لذوي الدخل المحدود، بالإضافة إلى طرح أفكار هادفة من شأنها رفع مستوى معيشة الأسر على مختلف مستويات دخلها، وتقديم خدمات مساندة لتطبيق هذه الأفكار.
وتُعَد (صناديق الأسر) بمثابة إطار مؤسسي مالي واجتماعي يجمع أفراد الأسرة، ويُبنى على مُرتَكَزات مُتَّفَق عليها من قِبَلهم ابتداءً، وقد أوكلت الدولة لوزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية مسؤولية وضع القواعد والإجراءات لتأسيسها، كما توفر استشارات لمن يحتاجها.
وتهدف صناديق الأسر بشكل مُجْمَل إلى تحسين مستوى المعيشة والصحة والتعليم، وزيادة إنتاجية الأفراد، وكفايتهم المؤونة، وتأمين التوازن والتكامل بين أفراد الأسرة المساهمين في إنشاء الصندوق. كما أنها قد تساهم بشكل غير مباشر في توثيق إنجازات الأسرة، وحَث أفرادها على تطوير مهاراتهم الشخصية والأدائية وتحصيلهم العلمي من خلال تشجيع المتميز منهم بشكل يتناسب مع تطلعات الأسرة وغاياتها، كما يمكن أن يتم تقويم أداء وفاعلية الصندوق دورياً، واقتراح ما هو مناسب لتطويره.
وبما أن هذه الصناديق ترتبط بأهم عنصر في تكوين الفرد اجتماعياً وأخلاقياً وهي الأسرة وبالتالي فهي تمس جميع أفراد المجتمع فقد تكتسب أهميتها وقيمتها من هذه الناحية، ومن ناحية أخرى فهي تُبرِزُ الجانب التكافلي في معارفنا ومبادئنا الإسلامية، إذ تعزز من قيمة صلة الرحم، والبر والإحسان، والتعاون، والمساندة عند الحاجة.
عَوداً على بِدء يتضح أن صناديق الأسر هي أداة فعالة تمكن أرباب الأسر من إدارة نفقات الأسرة، وتُشجِّع على الادخار والاستثمار والتمويل، فإن تم تفعيلها وإدارتها وتطبيقها وفق خطط مدروسة أحدثت تطوراً إيجابياً ملموس الأثر في الأفراد والمجتمعات على الصعيد الاجتماعي والاقتصادي والأخلاقي.