loading

اللقاءات العائلية: أهميتها وثمراتها

25 مارس 2021

في خِضَمِ التطور التقني السريع الذي يشهده العالم وتَحَوُّل الكثير من الممارسات والأعمال اليومية إلى نُسَخ افتراضية تقوم على استخدام التطبيقات والبرامج الالكترونية كان للتواصل بين الأفراد الحظ الاوفر في ذلك، فقد تعددت الأساليب المتاحة لربط الناس ببعضها، ولربما وصلنا أو أوشكنا الوصول إلى مرحلة يُستَغنَى فيها تماماً عن الاجتماعات الحقيقية إلا ما يُلزمنا العمل أو الدراسة بإجرائها.  

غالباً تكون اللقاءات الأسبوعية متعارفاً عليها، ومعمولاً بها عند أغلب الأسر الصغيرة والمتوسطة بينما لا تحظى الأسر الكبيرة بنفس فرص الاجتماع ودورية اللقاء، وهو خلاف ما أوصى به ديننا الإسلامي حيث أكدَّ في الكثير من الآيات القرآنية والأحاديث الشريفة على أهمية الصلة والترابط بين الأرحام لما له من ثمرات متعددة في الدنيا والآخرة قد لا تتحقق عبر الوسائل الافتراضية والتي إن تم الاعتماد عليها بشكل دائم فقد يصبح التواصل بين أفراد العائلة مهدداً بالضعف وقد تصاب المشاعر بالفتور، والعلاقة بالرخاوة، فكان لِزاماً أن يتم التخطيط لعقد لقاءات دورية للأسر الكبيرة. 

إن كثرة مشاغل ومتطلبات الحياة، وتعدد التزامات أفراد العائلة، واختلاف ساعات أعمالهم، وتفاوت المسافات المكانية لمقرات سكنهم هي من دواعي الحاجة لتنظيم وتخطيط مسبق لترتيب لقاءات العائلة، ومع وجود بعض العوائق والصعوبات قد تلقى فكرة استمرارية هذه اللقاءات إقبالاً وإدباراً وتَوَجُّهاً وإعراضاً من قِبَلِ الأفراد، ونذكر هنا بعض المقترحات لما يمكن أن تشتمل عليه مراحل الإعداد للقاءات العائلة:

مرحلة ما قبل اللقاء: وتشمل الإعداد والتخطيط، وجمع بيانات التواصل مع الأفراد، واستطلاع آرائهم حول فقرات اللقاء، وحصر أعداد الحاضرين، وتحديد زمان ومكان اللقاء ثم تصنيفهم حسب الفئات العمرية، والاهتمامات والهوايات والمواهب، ليتم الاستفادة من كل ذلك في تنظيم اللقاء. 

مرحلة اللقاء: من الجميل أن يتسم اللقاء بالعفوية، والبعد عن المبالغات والتَّكَلُّف، لئلا يغلب عليه الطابع الرسمي، ولا بد من تعاون ومشاركة وبذل الجهود من الجميع، وتوظيف كل شخص لمهاراته وقدراته في سبيل إنجاح اللقاء. 

مرحلة ما بعد اللقاء: وتشمل توثيق اللقاء عن طريق ألبوم ذكريات أو فيديو، واستطلاع رأي الحاضرين حول التجربة وما يمكن أن يُضاف في لقاءات لاحقة. 

وللقاءات العائلية ثمرات عديدة من عدة أبعاد:

البعد الديني: فيها صلة الأرحام، وامتثالا لأوامر الله عز وجل، واتباعاً لسنن نبيه فينبغي أن ينوي الإنسان بذلك التقرب إلى المولى سبحانه وتعالى لينال الأجر والثواب، وبركات الدنيا والآخرة. قال الله عز وجل (والذين يصلون ما أمر الله به أن يوصل)، وقال رسول الله ﷺ: (مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ، أَوْ يُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ، فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ).

البعد الاجتماعي والأخلاقي: من ضمانات استمرار الحياة الأسرية السعيدة عقد جلسات حوارية لمناقشة أمور الأسرة، ولكن لا يُلتَفتْ إلى هذا الأمر غالباً، فقد يكون بعض أفراد الأسرة مديراً لإحدى الشركات الكبرى وقد اعتاد على عقد اجتماعات يومية يناقش فيها الفرص والتحديات والعقبات والتطلعات المتعلقة للشركة، بينما لا يجلس جلسة عمل واحدة مع أفراد أسرته للتخطيط والبرمجة للأمور المرتبطة بالأسرة مثل كيفية التعامل مع الأولاد حسب مراحل نموهم، وكيفية تحصينهم من الاختراق الثقافي، وما إلى ذلك من أمور عديدة تخص الأسر، وتعتبر أوقات الاجتماعات العائلية فرصاً مناسبة يتشارك فيها الأفراد النقاش ويتبادلون أطراف الحديث فيما يتعلق بشؤون الأسرة.

 إضافة إلى ذلك فإن من موجبات التآلف الأسري الحضور المستمر، وعدم التخلف عن الاجتماعات، تعزيزاً لأواصر المحبة والأخوة بين أفراد الأسرة.

قال رسول الله ﷺ: (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى)، فإذا كان المفروض أن تكون علاقة المؤمنين هكذا مع بعضهم، فكيف بعلاقة ذوي الأرحام مع بعضهم؟ 

وإن خير وسيلة للتأثير في الآخرين هو اجتذاب مودتهم، والدخول إلى قلوبهم، ومن هنا لَزِم أن نُوجِدَ جوَّاً من الارتباط العاطفي والأخلاقي مع من نعاشرهم وخاصة مع القريبين منا ليسهل علينا التعامل معهم، وإلا فإن الأمور لا تتجاوز دائرة التَّكَلُّف والتَّصَنُّع. 

البعد المعرفي والثقافي: إن ما تقدمه اللقاءات العائلية من فكر ومهارات وعاطفة أهم بكثير مما تقدمه من مال وماديات، فبالأولى يصبح أثر العائلة حاضراً في حياة الأفراد. وكم هو جميل أن يُعنى بالنتاج المعرفي لأفراد الأسرة عن طريق التكريم، والتشجيع، والتحفيز في اجتماعات العائلة.

ختاماً فإن العائلة تستحق أن نخصص لها الكثير من الوقت والاهتمام بعيداً عن مشاغل الحياة والتزاماتها العديدة، وأن نوظف لها إمكاناتنا وطاقاتنا وكل ما من شأنه أن يساهم في بناءها بناءً صالحاً يخدم الوطن والمجتمع، فهي أصل الإنسان وكيانه، وهي العز في الرخاء والسند في الشدة، وليكن تعاملنا معها تعاملاً أخلاقياً مبنياً على الرحمة والمودة.

كافة المقالات