loading

منهل التجارب النفسية والاجتماعية في الزمن المعاصر

03 مايو 2021

يتعرض الإنسان أثناء مراحل نموه إلى العديد من التجارب التي تختلف في طبيعتها والتأثيرات التي تسببها على تطور خصائصه وسلوكياته، وتُكَوِّن تجارب الإنسان مجتمعةً مع أسلوب التعبير وإدارة العواطف والمشاعر  والقدرة على تأسيس علاقات إيجابية ومُجْزِية مع الآخرين ما يُعرَف بالتطور العاطفي والاجتماعي ومن أهم خصائصه القدرة على تحديد وفهم مشاعر الشخص نفسه لتنظيم سلوكه وبالتالي تطوير مهارة التعاطف مع الآخرين وتأسيس العلاقات والمحافظة عليها، ويساعد بناء هذه المهارات على قدرة الإنسان على أن يصبح كفؤاً في التفاوض أثناء التفاعلات الاجتماعية المعقدة وبالتالي المشاركة بشكل فعال في أنشطة المجموعات وجَنْي منافع الدعم الاجتماعي الضروري للتطور والعمل الإنساني في المجتمع.

أثبتت الدراسات التي أجريت على الدماغ أن العواطف والإدراك عمليتان مرتبطتان بشكل كبير وأن أغلب التعلم الذي يحصل عليه الطفل في سني عمره الأولى يحدث في سياق الدعم العاطفي ويساهم كل من العواطف والإدراك في العمليات التي تتطلب الانتباه واتخاذ القرار والتعلم كما يساعدان في قدرة الفرد على المثابرة للوصول إلى الأنشطة التي تسير نحو أهداف محددة، وللسعي نحو طلب المساعدة حين الحاجة إليها، وللاستفادة القصوى من العلاقات. علاوةً على ذلك فإن الأطفال الذين يمتلكون القدرة على ضبط سلوكياتهم وإدارة عواطفهم ومشاعرهم ثبت أن لديهم قدرة أكبر على المحافظة على أداء أكاديمي جيد في المدرسة.

إن التجارب التي يمر بها الفرد منذ مراحل طفولته المبكرة لها أبلغ الأثر في تكوين شخصيته وفي نموه الجسمي والعقلي والعاطفي والاجتماعي، وفي هذا السياق فإن الحرص على تعزيز التطور العاطفي والاجتماعي عن طريق التركيز على برامج دعم الطفل في المراحل المبكرة من حياته من شأنه أن يساهم في دعم مخرجات التعلم في مختلف مجالات التعلم وهي المعرفية والنفسية الحركية والعاطفية، وبالتالي على قدرة الفرد على النجاح في حياته العلمية والمهنية. 

توجد علاقة وثيقة بين الدوافع والحالة الانفعالية للفرد، ويتأثر كل منهما بالبيئة والثقافة والتجارب الماضية وبالمجتمع بشكل عام، وعلى سبيل المثال الغضب والحزن والفرح والغيرة هي حالات انفعالية تتكون لدى الفرد بسبب المثيرات التي يتعرض لها في الأسرة والمجتمع، وهنالك مثيرات ومتغيرات أكثر تأثيراً كوفاة أحد الوالدين أو الطلاق، وكذلك خصائص البيئة التي ينشأ فيها الفرد والجو السائد فيها والظواهر السيئة المنتشرة فيها كالجفاف العاطفي أو العنف الأسري وفي قبال ذلك السلوكيات الإيجابية كالاحتواء والمحبة، كما أن طبيعة العلاقة بين أفراد الأسرة تساهم في كون أفرادها انطوائيين أو اجتماعيين.

وتختلف المطالب الاجتماعية والنفسية للفرد تبعاً للمرحلة العمرية فالطفل مثلاً يحتاج للحنان والدفء والرعاية والشعور بالأمان والاهتمام من الكبار، والمراهق يعيش مرحلة مليئة بالصراعات لما يمر به من تغيرات جسمية ونفسية ولما يطالب به من مسئوليات الاستعداد للمستقبل عن طريق التزود بالخبرات والمهارات، أما الشاب فهو يدخل معترك الحياة والإحساس بالمسؤولية تجاه القانون والمجتمع والدين وينشأ لديه ما يسمى بصراع المستقبل أي الصراع الذي تسببه الحاجة للتخطيط للمستقبل واختيار المهنة أو الوظيفة، والأسرة الذكية هي التي تتعامل مع كل مرحلة بما يتناسب مع التغيرات التي تمر بها أولاً، وتدرك وتعي المتغيرات في العالم الخارجي ثانياً، لا سيما تلك التي أتت بها التكنولوجيا الحديثة، والتي أصبحت قريبة جداً من جميع أفراد الأسرة طيلة ساعات اليوم ولا تستلزم الخروج من المنزل والالتقاء بالآخرين.

إن الانغماس في عالم التكنولوجيا من غير وعي وإدراك لمخاطرها وتقنين لكيفية استخدامها يجعل الفرد يحمل هموماً أكبر من عمره ومستوى نضجه العقلي إما بسبب عدم قدرته على مجاراة الأشخاص الذين يتفاعل معهم نظراً لتفاوت الأعمار والخلفيات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، أو بسبب تنوع الإعلانات والأخبار التي تُعرَض أمام المستخدم وتجعله مُطَّلِعاً على تفاصيل قد لا تكون مناسبة له، أو ربما  يجد الفرد على منصات التواصل الاجتماعي من يتفوق عليه من أقرانه وقد يكون هذا إيجابياً فتزداد المنافسة أو قد يكون سلبياً فيشعر بالخجل والانطواء والفشل على الرغم من أن الظروف والأسباب التي سهلت النجاح قد تكون متفاوتة بين الأشخاص، وإجمالاً فإن مدارك الفرد تصبح أوسع وملامح الحياة أوضح كما أن ميوله ورغباته واتجاهاته تتضح في مرحلة مبكرة، وبالتالي تحمل الأسرة معه هذه الهموم، ويمكننا القول بأن التكنولوجيا مصدر مهم للتجارب النفسية والاجتماعية التي يتعرض لها الفرد في مختلف مراحل عمره، ولا يمكن إغفال أو تهميش تأثيرها، وبعبارة أخرى لم يعد فهم المرحلة العمرية وخصائصها هو الهاجس الأكبر للمربي أو الباحث، بل أصبح هنالك منهلاً هاماً يفرض سيطرته على الساحة.  

إن ما تقوم به الأسرة الآن هو مجابهة الأمواج، والسباحة في عكس التيار قبل أن يأخذها إلى حيث لا ترغب، ويتفاقم تأثيرها السلبي على التطور العاطفي والاجتماعي لأفراد الأسرة وبالتالي على مستوى نجاحهم المهني والعلمي وتأثيرهم في المجتمع، ومن أجدى الأساليب لملاحظة وتحليل تأثير التكنولوجيا هي الحوارات والمناقشات المفتوحة التي تسمح لكل شخص بالتعبير عن مشاعره ومخاوفه وما يتعرض له من تجارب في العالم الافتراضي لمعالجتها ودراسة تأثيرها وذلك لخلق التوازن النفسي المطلوب.   

كافة المقالات